Close

كيف ناصرت السينما المصرية القضية الفلسطينية؟ بقلم أشرف شرف.

لم تغب السينما المصرية أبدا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، منذ آواخر الأربعينات من القرن الماضي حتى الآن بعدد لا بأس به، بعض هذه الأعمال تناولت القضية سواء في مشاهد معينة، وأخرى أفردت مساحة أكبر للحديث قضية فلسطين، ولا ننكر أيضا إننا بحاجة للمزيد من هذه الأعمال.

 

  البداية كانت في العام ١٩٤٩ من خلال فيلم حمل أسم “نادية” من بطولة النجمة عزيزة أمير التي لعبت دور “نادية”، وهي تدرس لأطفال في مدرسة، وتحكي لهم عن الشجاعة والبطولة للجنود الذي يحاربون في فلسطين وهي مدّرسة في أحد المدارس وتعاني من أزمة نفسية بسبب موت شقيقها الأصغر، الذي استشهد أثناء كفاحه في حرب فلسطين، الفيلم من إخراج وسيناريو وحوار لفطين عبد الوهاب عن قصة ليوسف جوهر.

 

 ولا ننسى أيضا المشهد الشهير بين كل من النجمين أحمد مظهر وحمدي غيث حين قال له “أنت تغامر حول حلم كاذب.. أورشليم أرض عربية يا صاحب الجلالة”، يعد هذا المشهد من أقوى المشاهد في تاريخ السينما المصرية من فيلم “الناصر صلاح الدين” إخراج يوسف شاهين. كما أنه هناك فيلم آخر حمل اسم “أرض السلام” لعب بطولته كل من عمر الشريف وفاتن حمامة، ودارت قصته حول المناضل المصري أحمد الذي لعب دوره “الشريف” يلتقي بسلمى التي لعبت دورها “فاتن حمامة” في إحدى القرى في فلسطين، ويحاولان إنقاذ الفلسطينيين وتحرير قريتهم من سيطرة الإسرائيليين. الفيلم من تأليف حلمى حليم وإخراج كمال الشيخ، وصوّر الفيلم معارك الفدائيين من أجل التحرير والصعوبات العديدة التي يلاقونها من نسف خزانات الوقود وبعد انتهاء أي عملية يعود أحمد مع سلمى دون أن يتمكن الإسرائيليون منهما.

 

 “الله معنا” أيضا يعد فيلما مصريا ناقش القضية الفلسطينية بشكل مختلف دارت أحداثه عن حرب فلسطين، حيث يذهب الضابط عماد للمشاركة في الحرب بعد أن يودع خطيبته، ويصاب عماد ويتم بتر ذراعه، ويعود مع عدد من الجرحى، مما يؤدي إلى حركة تذمر بين رجال الجيش وأن هناك رجالا وراء توريد الأسلحة الفاسدة للجيش، ثم يتطرق الفيلم لتكوين حركة الضباط الأحرار إلى أن تنتهي الأحداث بالإطاحة بالملك، بطولة كل من فاتن حمامة وعماد حمدي وماجدة وحسين رياض وشكري سرحان.

 

وهناك أيضا الفيلم السينمائي “الأقدار الدامية” التي دارت أحداثه حول اللواء حلمي باشا الذي يشارك في حرب فلسطين وأيضًا يتطوع ابنه سعد، وبعد عودة حلمي عقب إعلان الهدنة، يموت من الصدمة عندما يكتشف خيانة زوجته، كما يصاب سعد في الحرب ويدخل المستشفى، وتمر الأحداث وتتطور حياته الشخصية، وبعد مرور ثلاث سنوات يتطوع سعد للقتال مع الفدائيين في القناة. الفيلم بطولة نادية لطفي ويحيى شاهين وأحمد زكي.

 

وفي الثلاثين سنة الأخيرة قدمت السينما المصرية عددا من التجارب التي تحدثت عن القضية بشكل أو بآخر حيث قدم النجم نور الشريف فيلما عن رسام “الكاريكاتير” الأشهر في العالم العربي الفلسطيني ناجي العلي، وذلك بعد واقعة الاغتيال الشهيرة التي تعرض لها في لندن في العام ١٩٨٧ ودخوله لغرفة العناية المركزة. قدّم الفيلم المحطات التي مر بها ناجي العلي في حياته بدءً من نزوحه مع أسرته إلى لبنان، ثم عمله في الكويت، ثم عودته إلى لبنان مجددًا خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، كما يتعرض الفيلم لأبرز مواقفه السياسية التي سجلها في رسومه الكاريكاتورية، سيناريو بشير الديك وإخراج عاطف الطيب.

 

وعلى الرغم من تصنيفه كفيلم كوميدي، إلا أن القضية الفلسطينية كانت لها النصيب من أولى البطولات المطلقة للنجم محمد هنيدي حين أشعل النار في العلم الإسرائيلي في مشهد من فيلم “صعيدى فى الجامعة الأمريكية”، وهو المشهد الذي اعترضت عليه السفارة الإسرائيلية، إذ ظهر بعض الشباب وهم يحرقون علم إسرائيل داخل الجامعة الأمريكية احتجاجًا على الاحتلال الصهيوني وممارساته.

 

 وهناك تجربة سينمائية مختلفة لفيلم اسمه “باب الشمس” أنتج في العام ٢٠٠٤، وتدور أحداثه عن ذهاب البطل الفلسطيني يونس إلى المقاومة في لبنان، وتظل زوجته في قريتها بالجليل، ويتسلل يونس من لبنان إلى الجليل ليقابل زوجته في مغارة “باب الشمس”، وذلك خلال فترة الخمسينيات والستينيات، ولعب أدوار البطولة في هذا الفيلم كل من باسل خياط وريم تركي وعروة النيربية وإخراج يسري نصر الله.

 

 

كما أنه فى أولى تجارب المخرج خالد يوسف الإخراجية وهو فيلم “العاصفة”، كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة. ففي أحد المشاهد للنجوم يسرا وهشام عبد الحميد وحنان ترك، أشعلوا النار فى العلم الإسرائيلي، فى مشهد صفقت له الجماهير داخل قاعات السينما، وبعدها عقد أبطال الفيلم ندوة للتضامن مع أطفال الحجارة، ما أدى إلى حجب الجائزة الكبرى عنه فى مهرجان سان فرانسسكو واتهم بالعنصرية والتحريض على الشعب الإسرائيلي.

 

ورصد فيلم ” أصحاب ولا بيزنس” صناعه تجربة التضحية بالنفس من أجل الأرض حيث تطرق الفيلم الذى أنُتج في العام ٢٠٠١ للانتفاضة الفلسطينية، إذ تدور أحداثه عن كريم “مصطفى قمر” وطارق “هانى سلامة”، الإعلاميين بقناة ترفيهية يديرها أدهم “سامى العدل” حيث يتنافسان على حملة إعلانات ضخمة لإحدى شركات الملابس لكن ميعاد الترشيحات تصادف مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية واستشهاد الطفل محمد الدرة، فتحدث مشكلة بين الصديقين، لكن يقرر أدهم إرسال كريم لتسجيل برنامج عن الانتفاضة كعقاب له، فيغضب من الرحلة فى البداية إلا أنه يتعرف على الفدائي “جهاد” الذى يصحبه خلال رحلته فى الأراضي الفلسطينية ثم يقوم بعلمية استشهادية يصورها كريم، وبعد عودته للقناة أراد عرضها فى القناة لكن يرفض أدهم عرضها بحجة أنها لا ترق لمحتوى القناة.

 

 حتى في الأفلام الكوميدية، كانت القضية الفلسطينية حاضرة  مثل في فيلم “السفارة في العمارة” من تأليف يوسف معاطي  وإخراج عمرو عرفه ، والذي لعب بطولته الزعيم عادل إمام و داليا البحيري و كوكبة كبيرة من النجوم دارت أحداثه حول المهندس شريف خيرى “عادل إمام” من العمل فى دولة الإمارات إلى منزله فى القاهرة ليكتشف وجود السفارة الإسرائيلية فى الشقة المواجهة لمنزله فى نفس المبنى الذى يقطن فيه، وهنا تكون نقطة تحول له من شخصية غير مبالية وغير متعلقة بالسياسة إلى شخص مناوئ لإسرائيل ورمز شعبي خاصة بعد استشهاد الطفل الفلسطيني إياد ابن صديقه أثناء الانتفاضة الإسرائيلية، ومن أشهر مشاهد الفيلم ذلك الذى عاد بطله من الخارج ليجد أعضاء السفارة الإسرائيلية ومواطنيها قد استوطنوا شقته ليصرخ فى وجوههم: “برة” .

 

ومؤخرا منذ حوالي عامين عرض الفيلم المصري الفلسطيني المشترك “أميرة” من إخراج محمد دياب

 وتأليف شيرين وخالد دياب، دارت أحداث الفيلم حول أميرة، وهي مراهقة فلسطينية ولدت بعملية تلقيح مجهري بعد تهريب منيّ والدها نوار السجين في المعتقلات الإسرائيلية، لكن عندما تفشل محاولات إنجاب طفل آخر ويُكشف أن والدها نوار عقيم، تنقلب حياة أميرة رأساً على عقب وتجبرها الظروف على أن تخوض رحلة لمعرفة الحقيقة وراء هويتها. الفيلم من بطولة صبا مبارك، وتارا عبود، وعلي سليمان، وإنتاج الفلسطيني العالمي هاني أبو أسعد، وقد نال جائزة “إنترفيلم” لتعزيز الحوار بين الأديان، وأيضا جائزة “إنريكو فولتشينيوني” التي يمنحها المجلس الدولي للسينما والتليفزيون والإعلام السمعي البصري بالتعاون مع منظمة “اليونسكو”، كما حصد صناعه جائزة “لانتيرنا ماجيكا” التي تمنحها جمعية “تشينيتشيركولي الوطنية الاجتماعية الثقافية للشباب (CGS).

 

ونال أيضا فيلم “أميرة” للمخرج محمد دياب ٣ جوائز في الدورة ٧٨ من مهرجان “فينيسيا السينمائي الدولي” الذي استضاف عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة “آفاق”، كما شارك فيلم “أميرة” في مهرجان أيام فلسطين السينمائية.

 

 بعد هذا الرصد والتحليل نؤكد بالبحث والدليل القاطع أن مصر  صناعها و مبدعيها لم تغب عن أذهانهم القضية الفلسطينية منذ آواخر الأربعينات بالقرن الماضي حتى العشرينيات من القرن الحالي.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Telegram
WhatsApp