Close

خولا سيف: مشروعي بدأ صغيرا وبات مؤهلا للمساهمة في الاقتصاد اللبناني

خولا سيف، ٢٥ عاما، مهندسة زراعية عادت إلى لبنان في العام ٢٠١٩ بعدما تقدمت باستقالتها في فرنسا وبعد شهر من انتشار جائحة كورونا للبحث عن فرصة عمل ولتحقيق حلمها. تستبق أي سؤال بالقول، “لم يكن من الغباء اتخاذ هذا القرار إذ أشعر أنني بدأت بالوصول إلى النتيجة التي أريدها في أقلّ من عام”.

ضمن سلسلة “تمكين الشباب: القصة تحوّلت في الأزمة إلى فرصة”، تحاور “مؤسسة دياليكتيك” خولا سيف، للحديث عن مشروعها الذي أسسته في لبنان والذي تحوّل من عمل فرديّ إلى مشروع إنتاجيّ مع فريق متخصص يربط بين المزارعين في لبنان ويقدّم استشارات ودراسات زراعية للناس بالإضافة إلى مشروعين أطلقتهما، “منتجات خولا الطبيعية” و”إيدو خضرا”.

يبدأ الحديث حول الصورة النمطية لقطاع الزراعة في لبنان وضرورة تغييرها. فالزراعة ليست “نكش الأرض فقط”، بل “، “هي أيضا تسويق، وتكنولوجيا ذات تقنية عالية (high technology)، وعلم الغذاء، واقتصاد، وسياسات زراعية وغيرها”. في المقابل، يقتصر عمل المهندس الزراعي في لبنان على “بيع الأدوية الزراعية ما خلق علاقة عدم ثقة بينه وبين المزارع وهذا خاطئ”. من هنا، أرادت سيف في بداية عملها إلى تغيير هذه الصورة النمطية والخاطئة في العمل الزراعي.

من التخصص الجامعيّ في علم الأحياء في “جامعة القديس يوسف”، “اكتشفت أنني مولعة بالزراعة، فقررت دراسة هذا الاختصاص في فرنسا إذ أنه في لبنان لا يوجد تخصّص زراعة بالمعنى الحقيقيّ بل في الإنتاج الحيواني أو النباتي أو الغذاء”. وبعد العمل في فرنسا، كان القرار بالعودة إلى لبنان لتطبيق المشروع الحلم!


التخطيط الفردي في الأزمة

خلال مدة شهر قضتها سيف بلا عمل، كانت تقوم بجولات في مختلف المناطق اللبنانية للتعرف على الناس وللاضطلاع على الأراضي الزراعية المتوافرة. “البداية كانت التفكير في البدء بمشروع زراعي ومساعدة الناس” خاصة مع الحديث عن أزمة في الأمن الغذائي. “هذا الامر جعلني أعي أمرا هاما وهو ضرورة إنتاج البذور المحلية. فما يضعف الاقتصاد اللبناني من ناحية الإنتاج الزراعي هو أننا لا نملك البذور المحلية، بل جميعها مهجّنة نستوردها. الشتلة هي بنت بيئتها، أي البذور اللبنانية تختلف عن تلك الأجنبية وتتناسب مع طبيعة الأرض. قد تؤدي إلى إنتاج أقل، لكنها ليست بحاجة لأدوية كيماوية. من هنا، كانت الفكرة الأولى العمل في إنتاج البذور المحلية”.


المشروع الأول الخاص: “منتجات خولا الطبيعية”

بعد شهر، حصلت على فرصة عمل في جمعية غير حكومية تدعى “Lebanon Relief” كمنسقة برنامج زراعي لبرنامج من تمويل USAID. المشروع، Support Food SMES ، كان عبارة عن “دعم محال الخضار والفاكهة وتحديدا تلك التي تضررت بالانفجار من خلال ربط أصحاب هذه المحال مع المزارعين ودعمهم”. هنا، تبرز إشكاليتان يشكّلان هدفا ومنطلقا لسيف. الأولى، هي بناء علاقة ولغة تواصل مع المزارعين، إذ أن “معظم الذين يتواصلون مع المزارعين في تطبيق البرامج أو بيعهم الأدوية يتعاملون معهم بفوقية وبفذلكة في المصطلحات. غير أنه لكي أستطيع تقديم الدعم، عليّ أن أتحدث بلغتهم. وهنا بدأت ترجمة كل معلومة زراعية باللغة العربية”. أما الإشكالية الثانية، فهي غياب الداتا.  لهذا، بدأت بالعمل لتجميع داتا وتعبت جدا في الوصول إلى المزارعين في كل المناطق اللبنانية. للأسف كل الداتا مصدرها جمعيات المجتمع المدني الأجنبية، ما يعني أننا نحصل على المعلومات التي تختار هذه الجمعيات نشرها وإيصالها لنا، أي هم من يقرّون من أي منطلق يجب أن نرى الأمور عن أرضنا وزراعتنا”.

أما عن المشروع الخاص، فهو بدأ في موسم زيت الزيتون. “عندما بدأ موسم زيت الزيتون قمت باستغلال الأراضي في الشمال وأطلقت المنتج الخاص بي وهو “منتجات خولا الطبيعية” Khawla Natural” Products”. أما عن اختيار الاسم الشخصي، فهو “لاعتقادي أن الاسم يوحي بالزراعة”.

تروي سيف كيف أن جامعتها في لبنان، أي “جامعة القديس يوسف” شكّلت دعما كبيرا لها إذ كانوا من طليعة زبائنها. “طرحت للبيع أول دفعة وبعت ما يقارب ٣٥٠٠ تنكة بنسبة PH<0.6 وهذا مهم جدا”. ومن الزيت إلى الصابون البلدي، “عملت في صناعة وبيع الصابون في كلّ مناطق لبنان”. في هذه المرحلة بدأت “منتجات خولا الطبيعية” بالتقدم والتطوّر. لاحقا، تمّ إنتاج دبس الخرنوب. “كنت ما أزال لوحدي مع ٣ موظفين فقط يساعدونني في التوضيب”.


المشروع الثاني: “إيدو خضرا”

“عندما كنت في عمر السادسة عشر اتخذت قرارا بأنه يجب عليّ أن أتعرف على كلّ الناس من كل المناطق، وأن أجمع بينهم. أيضا، اتخذت قراري بأن أختبر كل المناطق اللبنانية وألا أحدّ خياراتي وعملي في المنطقة التي خلقت فيها”. من هنا، “كنت حريصة منذ بداية عملي ألا يكون السوق الذي أستهدفه محصورا في منطقة واحدة أو في مكان واحد”. لذلك، “تنقّلت من الشمال إلى بيروت فالبقاع حيث قررّت افتتاح مشتل خاص بي باسم “إيدو خضرا” بمساعدة صديق لي وهو توفيق النجار”.  ينقسم المشتل الى قسمين:

  • زراعة الخضار والفاكهة، الشتول، الزهور وتصاميم landscape  للمكاتب والمطاعم والبيوت.

٢- الاستشارات الزراعية وتوجيه الأشخاص الذين قرروا زراعة أراضيهم بحيث “أزور أرض الزبون وأطلب منه بعض المعلومات عن الأرض بينما أقوم أنا ببعض الفحوصات في ما يخص التربة. لاحقا، أعدّ للزبون دراسة جدوى ومخطط عمل توجيهي، وتصميم للأرض، بالإضافة الى تحديد الربح المتوقع”.

“المشتل قادني إلى الخدمات الزراعية ومنها إلى التدريب”. فقد افتتح “إيدو خضرا” قسما للتدريب معترفا به من وزارة الزراعة. “مشكلة المزارعين في لبنان بأنهم لا يثقون بأحد، لذا نحن قررنا أن نعطيهم القوة والدعم لتطوير عملهم”. ويتألف فريق العمل بالإضافة إلى سيف من: زينة علم للشؤون القانونية، مارك سيدة وهو اختصاصي علم نفس، وتوفيق النجار للأمور المعرفية التقنية والتكنولوجية في الزراعة. في هذا الإطار، تشكر سيف مدير الجمعية التي عملت فيها أحمد الأيوبي “الذي يدعمني بكل ما له علاقة بالاستشارات والنصائح، وما ينفك بتشجيعي على البقاء في لبنان”.


التعاون مع وزارة الزراعة: “جبرتن فيي”!

يتشعّب النقاش عن غياب الدولة وضعف مؤسساتها. تعتبر سيف أنها كمواطنة لا يجب أن تكون ضدّ الدولة، بل هي بحاجة لوجودها. ولأن مؤسسات الدولة ضعيفة حتى تكاد تكون غائبة، فهي اعتمدت على مجهودها الشخصي في تجميع المعلومات حول الطبيعة اللبنانية لوضع رزنامة زراعية بالإضافة لتحضير البرامج والدراسات. في المقابل، تقوم وزارة الزراعة بالتوثيق والاعتراف بهذا العمل. “التعاون مع الوزارة لم يكن صعبا لأنه كان لديّ إصرار منذ البداية على النجاح. لذا، استمريت في التواصل ومحاولة الاتصال بالوزير وزيارته في الوزارة، فلم يكن أمامه إلا التعاون. “جبرتو فيني”! أكره فكرة عدم الشعور بالمواطنة”. ورغم المشاكل التي تعاني منها، تشير سيف إلى أن الوزارة “ساعدتها في توفير ما يعرف ب Climate Data و”قمت بتجميع باقي الداتا من المزارعين أنفسهم، ثم بدأت باستخدام برامج software يستطيعون من خلالها توزيعها على شكل خريطة. وقمت بتقييم هذه المعلومات ودراستها فأصبح لديّ داتا كافية لكي أطوّر معرفتي جيدا عن القطاع الزراعي”.

تشرح سيف أن أهمية الرزنامة الزراعية والداتا التي جمعتها تكمن في أنها “تجعلني قادرة على توجيه الناس حول ماذا يجب أن يزرعوا، ومقارنة ما يزرعونه مع حاجات لبنان. هذا الأمر من شأنه أن يحقق لنا الاكتفاء الذاتي وبالتالي المساهمة لاحقا بالاقتصاد الوطني”. وتضيف: “ما أعمل عليه أو أطمح لتحقيقه هو معرفة مدى مساهمة المزارع في لبنان من الناتج القومي لعامين”.


قوّتي أنني امرأة

“لا أحد يقول لي كلا لأنني امرأة”. في المقابل، “استطعت كسر كلّ الحواجز. عند زيارة كلّ أرض، أمضي ما يقارب الأسبوع مع المزارعين أفلح معهم في الأرض، آكل وأشرب معهم، قبل البدء بأي مشروع”.

بالطبع، ثمة صورة نمطية عن المرأة في القطاع. ورغم الجهد، تروي سيف عن مواجهتها بعضا من أمثلة هذا التنميط عن المرأة الزراعية وكيفية معالجتها. “هم يعتبرون أن النساء هم للعمالة فقط، مثل قطاف الزيتون مثلا. أي دور آخر وخاصة إذا ما كان قياديّا يمنع على المرأة تأديته ولا يعترفون به”.


معضلة الثقة بالمنتجات اللبنانية

الثقة مفقودة بين اللبنانيين أنفسهم، وفي المنتوجات المحلية. هي أحد المشاكل التي تتطرّق إليها سيف في الحديث عن تحديات العمل والقطاع. أما عن كيفية إعادة الثقة في المنتج اللبناني، فذلك يتطلّب ٥ عناصر يجب أن تتوفّر وهي:

١.التوضيب. ٢. التسويق. ٣. الشرح عن كيفية الإنتاج ومراحله (show how) ٤. المعايير المتبعة في الإنتاج standards ٥. النظافة Hygiene. هذه العناصر مجتمعة بحسب سيف من شأنها أن تخلق ثقة في المنتوجات المحلية، والأهم، السوق بحيث تشكّل عامل جذب للزبائن.

أما المشكلة الثانية، فهي عدم توافر الأسواق نتيجة غياب الدولة واحتكار السوق من قبل القطاع الخاص. “قبل الحرب، كانت الأسواق منتشرة في أجمل الأماكن في بيروت التي كانت عبارة عن سوق مثل فرنسا”!

يتجدد الحديث عن دور الوزارات. “هدفنا هو أن نصحّح الدولة. ليس المطلوب أن أشتم الدولة بل أن أذهب كلّ يوم إلى الوزارات المعنية وأن أصرّ في مطالبتي للحلّ. من خلال الضغط لا بدّ للوزارات أن تتحرّك. ونحن نستطيع أن نطوّر قطاعاتنا. لا أريد أن يأتي خبراء أجانب ليقولوا لي ماذا أفعل في أرضي. في الغرب مثلا في فرنسا، يتم معاملة اللبناني بطريقة مميزة لأننا نشتهر بامتلاكنا للمهارات في العمل بالإضافة إلى اللغة والقدرة على التواصل التي تميّزهم عن غيرهم. أنا عشت كل ذلك.  في الصف كانوا يتعاملون معي على أنني منافسة لهم لأنني فقط لبنانية”.

من هنا، يشكّل التعاون والتكامل عاملان أساسيّان لبناء الثقة. “لا نحب التشارك والتبادل بين بعضنا البعض في لبنان، في حين أننا لسنا طفيليات ضد بعضنا البعض، ونكمّل بعضنا البعض”.

بدأت سيف قصتها بفكرة صغيرة لتصبح في أقل من عام في مكان آخر. تقول أنّ الربح السريع هو أحد العوائق التي تجعل الناس يخفقون، بينما يجب العمل على خطة طويلة الأمد. وفي الختام، تعتبر أن الأزمة الاقتصادية فرضت واقعا جديدا على اللبنانيين. من هنا، “يجب بناء ذهنية الإنتاج. أستطيع أن أتمتع في حياتي وفي نفس الوقت أعمل وأكدّ وأتعب”. أما عن هدفها في المرحلة القادمة، فهو الاستقلالية الاقتصادية وتكوين فريق عمل أكبر يلبّي المقوّمات التالية في العمل الزراعي: التكنولوجيا، وتجميع الداتا، والتمكين، وتوفير المحاصيل الجديدة والتعاونيات الجديدة، والأطر القانونية والتقنية.

أما الهدف الأكبر، فهو بناء نمطا جديدا من التعاطي والتواصل المجتمعي. “أريد أن يظهر أشخاص مثلي يصرّون على الإنتاج والاستثمار في وطنهم (وهنا للمغتربين بحسب سيف الدور الأكبر) وعلى تبادل الخبرات بين بعضهم البعض. فلا أحد يعرف في كلّ شيء ولكلّ منّا دوره”.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Telegram
WhatsApp